الجمعة، 8 مايو 2015

لأصحاب الباك درس مبسط لمفهوم الغير مجزوءة الوضع البشري

في هذا الموضوع نقدم لكم مفهوم الغير الذي يندرج ضمن مجزوءة الوضع البشري ويحتوي على ثلاث محاور : المحور الأول وجود الغير والمحور الثاني معرفة الغير والمحور الثالث والأخير العلاقة مع الغير .




المحور الأول : وجود الغير

يعالج المحور الاول من مفهوم الغير إشكالية وجود الغير بين ثنائية التهديد والضرورة ، حيث سيتم التساؤل عن وجود الغير بالنسبة للأنا هل هو أمر ضروري أو أساسي أم هو مصدر تهديد وخطر ؟

إن الغير حسب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عنصر مهدد بالنسبة للأنا لكون هذا الأخير قبضته مادام يجمعهما وجود يومي مشترك ، ويتجلى هذا التهديد في فعل الإفراغ والإفقاد والتذويب .
فالغير يفقد الأنا ما يميز هويته كاختلاف ، ويفرغه من كينونته الخاصة فيجعله بذلك لا يتطابق مع ذاته إذ يذوب في نمط وجود الغير ، فيبدأ بالإختفاء بسبب فقدانه تفرده وتميزه .
يتضح إذن أن وجود الأنا مع الغير داخل حياة يومية مشتركة يجعل من الأنا ذاتا شبيهة مثيلة للغير إذ يفقدها الغير كل تميزها وخصوصيتها ويفرغها من كينونتها ويذيبها في نمط وجوده .

وفي مقابل هذا التصور يؤكد الفيلسوف الفرنسي الوجودي جون بول سارتر ان الغير شرط وجودي لا غنى عنه لوجود الأنا ووعيها بذاتها فالوعي بالذات يحصل من خلال الوعي بالغير والإحساس بالإنفصال عنه ، ناهيك عن كون معرفة الأنا لنفسها رهين ومشروط بمعرفتها بغيرها ، فالغير هو الوسيط الذي من خلاله تعرف الأنا نفسها كما أن حرية الأنا مقترنة أشد الاقتران بوجود الغير إذ من خلال العلاقة معه تثبت الأنا حريتها إلا أن سارتر بين تهديد الغير للأنا من خلال النظرة حيث اعتبر وجود الغير مصدر تهديد بالنسبة للأنا إذ من خلال النظرة يشيئ الغير الأنا ويشل كل قدراته ويجمد كل امكانيته ومن ثم ينزله من مرتبة الشخص إلى مرتبة الشيئ أي من مرتبة الذات إلى مرتبة الموضوع وهذا ما يجعل من تصور سارتر موقفا مزدوجا ينظر إلى وجود الغير وكأنه عملة ذات وجهين وجه إيجابي يتجلى في ضرورته واهميته ووجه سلبي يتمظهر من خلال تهديده وخطورته .

المحور الثاني : معرفة الغير

يتطرق هذا المحور الثاني من مفهوم الغير لقضية معرفة الغير بين ثنائية الإمكان والإستحالة ، لذا سيتم التساؤل عن معرفة الغير من طرف الأنا هل هي أمر ممكن أم مستحيل ؟

يؤكد الفيلسوف الألماني ماكس شيلر أن الأنا بمقدوره تحصيل معرفة بصدد الغير ونعت هذه المعرفة بأنها معرفة كلية يتوحد فيها الظاهر بالباطن ، العرفي بالجوهر ، السطح بالعمق ، القشور باللب .... وهذا مايدل على رفض شيلر لتجزييء وتقسيم الذات الانسانية إلى ثنائيات وأهمية لا أساس لها من الصحة فعندما يدرك الأنا الغير يدركه كليته ووحدته ؛ فهم يدركه ادراكا يجمع بين المظاهر الجسمية والعالم الداخلي النفسي مما يدل على وحدة وكلية هذه المعرفة .

وفي نفس المنحنى يؤكد الفيلسوف الالماني ايدموند هوسرل الطرح الذي تبناه ما عكس شيلر فمعرفة الغير من طرف الأنا ممكنة وذلك من خلل البينذاتية باعتبارها أساسا وقاعدة لتحقيق هذه المعرفة . إن معرفة الغير من طرف الأنا لا تتم بوصفه ذاتا مستقلة من ذات الأنا بل تتم معرفته كذات نفسية لها جسم ونفس مثل جسم ونفس الأنا ، وتدرك هي الأخرى العالم الذي يدركه الأنا ، إنها في نفس الوقت شبيهة به ومختلفة عنه .
ويقترح هوسرل تجربة التوحد الحدسي بالغير وكسبيل ومسلك يتم اعتماده لتحقيق هذه المعرفة ، إذ بإمكان كل واحد أن يتوعد حدسيا بالغير أن يأخذ مكانه وأن يعيش تجربة فمعرفته الغير إذن لا تتم مباشرة بل من خلال تجربة غير مباشرة يسميها هوسرل التوافق الباطني وهي لحظة تحقق التوحد الحدسي مع الغير مما يفيد أن البينذاتية هي أساس معرفة الأنا للغير . وعلى خلاف هاذين التصورين يقر الفيلسوف الفرنسي غاستون بيرجي استحالة معرفة الغير من طرف الأنا لكون وجود الغير خارج عن تجربة الذت خروجا مطلقا ، وعليه فمعرفته تنفلت من الأنا تماما . إن عالم الغير عالم داخلي منغلق لا يمكن اقتحامه ، فالغير له حياته الخاصة والحميمية يأوي إليها ويحتمي بها مما يجعل هذه العزلة وتلك الحميمية عائقا وحاجزا يحول دون كل إمكانية للتواصل مع الغير أو الوعي به أو معرفته . إن استغراء ذات الغير في تجربتها الذاتية هو الذي يمثل الوجود الحقيقي ، فهذه التجربة لا يمكن نقلها أو الإخبار عنها أو مشاركتها مع الأنا وعليه يمكن القول أن معرفة الأنا للغير أمر مستحيل بسبب حاجز العزلة وعائق الحميمية .

المحور الثالت : العلاقة مع الغير 

يتناول هذا المحور الثالت والأخير من مفهوم الغير طبيعة العلاقة القائمة يبن الأنا والغير من خلال ثنائية الذاتية والكونية مما سيجعلنا نتساءل عن العلاقة القائمة بين الأنا والغير هل تتخذ بعدا ذاتيا أم بعدا كونيا ؟

إن الصداقة حسب الفيلسوف الألماني كانط ضرب من ضروب العلاقة الإيجابية القائمة بين الأنا والغير ، تتأسس على الحب والإحترام المتبادلين ، وهذا ما يجعلها واجبا أخلاقيا يجب على كل شخص السعي نحوه لأن في ذلك سعي نحو تحقيق السعادة ، وتتخذ الصداقة بين الأنا والغير بعدا ذاتيا لكونها علاقة مثالية للتعاطف بين صديقين جمعت بينهما إرادة طيبة تحقق لهما الغير معا ، كما يؤكد كانط أن الصداقة الحق لا يجب أن تقوم على مصالح ومنافع معينة بل يجب أن يكون اساسها وقوامها الإحترام والحب المجسدين للبعد الأخلاقي والوجداني .

هذا من جهة ومن جهة أخرى يقر الفيلسوف كونت أن الغيرية ( الإيثار ) نمط من أنماط العلاقة الإيجابية القائمة بين الأنا والغير فإذا كانت بعض الكائنات المنحطة التي تعيش من أجل ذاتها لكونها تكون سجينة لأنانية همجية فإن الإنسان بما هو شخص أخلاقي يعيش من أجل الغير لكونه يؤمن بأنه مدين للإنسانية بكل ما يملك إذ للإنسانية فضل كبير على كل فرد ولا يمكن للفرد أن يرد ولو جزء ا بسيطا مما تلقاه منها ولو كان على درجة عالية من المهارة والنشاط وتتخذ الغيرية بعدا كونيا لكونها تربط الأنا بالإنسانية جمعاء وتجعله يعيش من أجل الأغيار ويكرس حياته لخدمتهم وتقديم العون لها .

لديك سؤال اتركه اسفل الموضوع كي اجيب عليه وشارك الموضوع مع اصدقائك لتعم الفائدة بالتوفيق

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: