الأحد، 10 مايو 2015

درس جد منظم لمفهوم الحقيقة مجزوءة المعرفة

في هذا الموضوع أقدم لكم درس مفهوم الحقيقة بطريقة جد منظمة المفهوم الذي يندرج ضمن مجزوءة المعرفة والذي يحتوي على ثلاث محاور المحور الأول : الرأي والحقيقة والمحور الثاني معايير الحقيقة والمحور الثالث الحقيقة بوصفها قيمة 




1 - المحور الأول : الرأي والحقيقة 

يتناول هذا المحور من مفهوم الحقيقة إشكالية طبيعة العلاقة بين الرأي والحقيقة حيث سيتم الإستفهام عن طبيعة العلاقة هل هي علاقة توافق وانسجام أم هي علاقة تعارض وتضاد ؟

حقائق القلب وحقائق العقل :  بلييز باسكال 

يؤكد المفكر الفرنسي بييز باسكال أن العلاقة بين الرأي والحقيقة ليست علاقة تضاد وتعارض كما يزعم البعض بل هي علاقة توافق وانسجام ويقصد باسكال بالرأي حقائق القلب بينما يقصد بالحقيقة حقائق العقل ويعتبر أن بلوغ الحقيقة لا يتم بواسطة العقل فقط بل يتم كذلك بواسطة آلقلب فمثلما للعقل حقائقه للقلب حقائقه أيضا ويدعو باسكال إلى بناء خطابه بكامله على المعارف الصادرة عن القلب والفرق القائم بين القلب والعقل هو أن العقل يبرهن على القضايا التي يصل إليها بينما القلب يشعر بالمبادى الأولى التي يحصل عليها ومن السخافة حسب باسكال أن نطلب من القلب أن يبرهن على مبادئه وبالمثل من السخافة أن نطلب من العقل أن يشعر بقضاياه فالقلب يشعر ولا يبرهن والعقل يبرهن ولا يشعر .

العلم والرأي : غاستون باشلار

يتبنى العالم الإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار موقفا معارضا ومخالفا للتصور الذي قدمه باسكال فالحقيقة العلمية والرأي العلمي على طرفي النقيض فالرأي هو أول عائق يحول دون قيام حقيقة علمية لذا يجب هدمه وتخطيه والعلم حسب باشلار يبدأ عندما يتم القطع مع المعرفة العلمية المبنية على الأراء والإنطباعات ، إن الرأي من الناحية النظرية دائما على خطأ لأنه لا يفكر غالبا وإن فكر فإن تفكيره سيئ وهذا ما يعني استحالة بناء أي شيئ على الرأي . هكذا يتضح أن العلاقة القائمة بين الحقيقة العلمية والرأي علاقة تعارض وتضاد فالرأي عائق ابستمولوجي يجب هدمه وتخطيه لبناء معرفة علمية حقيقية .

2 - المحور الثاني : معايير الحقيقة 

سيتم التطرق في هذا المحور إلى مسألة معايير الحقيقة أي المقاييس التي يتم اعتمادها للتأكد مع أننا بصدد الحقيقة فعلا لذلك سيتم التساؤل عن المعيار الضامن للحقيقة هل هو الحدس والإستنباط أم هو الحقيقة دائما ؟

الحدس والإستنباط : روني ديكارت 

ينتمي الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت إلى المذهب العقلاني الذي يعتبر العقل هو السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة إذ يتم الإعتماد في ذلك طريقتين اثنتين : الحدس والإستنباط ، والمقصود بالحدس هو ذلك التصور الصادر عن ذهن خالص والناتج عن دور العقل وحده حيث يكون بسيطا ومتميزا إلى درجة لا يحتمل الشك بشكل مطلق ويقدم ديكارت على ذلك أمثلة من قبيل أن كل واحد منا يدرك بالحدس أنه موجود وانه  ويفكر وأن المثلث يعرف بثلاثة أضلاع فقط وأن الدائرة تعرف بمساحة واحدة وممادام الإنسان لا يمكنه أن يدرك بحدس الأشياء البسيطة والمتميزة فلا بد من عملية الاستنباط لاستنتاج حقائق جديدة انطلاقا من حقائق أولى والمقصود بالإستنباط إدراك مركب وغير مباشر تتم فيه حركية متصلة بالفكر ويتم الإعتماد على حقائق الحدس كنمط لإستخراج حقائق أخرى فالحدس والإستنباط معياران لفحص الحقائق وتميزها من الأخطاء فهما أساس المنهج المؤدي إلى الحقيقة .

الحقيقة معيار ذاتها : باروخ سبينوزا 

باروخ سبينوزا يعتبر الحقيقة معيار ذاتها فهي بمثابة النور الذي يمكن رؤيته كلما ظهر فهي لا تحتاج إلى من يكشفها أو يؤكدها ما دامت تكشف وتؤكد نفسها لهذا اعتبر اسبينوزا الحقيقة معيارا لذاتها لأنه لا يوجد شيئ أكثر وضوحا أو أشد بداهة من الفكرة الصحيحة ليكون معيارا للحقيقة ومثلما ينقشع الظلام بانكشاف النور فإن الحقيقة ايضا هي معيار ذاتها ومعيار الحق هكذا يتضح أن البداهة معيار الحقيقة فالبديهي لا يمكن حجبه لأنه يعرض نفسه على المرء بوضوح تام .

3 - المحور الثالث : الحقيقة بوصفها قيمة 

يعالج المحور الثالث من مفهوم الحقيقة قضية مصدر ومنبع قيمة الحقيقة حيث سيتم التساؤل عن المصدر والمنبع الذي تستمد منه الحقيقة قيمتها هل هو المنفعة والإفادة والمصلحة أم هو ذاتها ؟

الحقيقة والإفادة : وليام جيمس 

ينتمي الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس إلى الفلسفة البرغماتية وهي تيار فلسفي تعتبر المنفعة والإفادة معيار ومقياس قيمة الأشياء إن الحقيقة حسب جيمس تستمد قيمتها وأهميتها من المنفعة والإفادة فكلما كانت للحقيقة منفعة وإفادة أكبر كلما كانت لها أهمية أكبر والعكس بالعكس ويميز جيمس بين نوعين من الحقائق : حقائق نظرية تفيد العقل وحقائق علمية تفيد السلوك وهذا ما دفعه ليقول " الحقيقي هو ماهو مفيد لفكرنا والصائب هو ماهو مفيد لسلوكنا .

قيمة الحقيقة تكمن في ذاتها : كانط 

على خلاف التصور البرغماتي الذي تبناه وليام جيمس يقدم الفيلسوف الألماني كانط تصور القيمة الحقيقية يؤكد فيه أن الحقيقة لا تستمد قيمتها من المنفعة ولا من الإفادة وإنما تستمدها من ذاتها باعتبارها قيمة مطلقة ويوافق كانط بين الحقيقة والصدق ويعتبر الصدق واجبا أخلاقيا مطلقا يسري في جميع الظروف والملابسات بغض النظر عن المنفعة التي سيؤدي إليها أو الضرر الذي سينقدنا منه وبالمقابل يعتبر كانط الكذب صفة مذمومة حتى وإن كانت ستجلب لنا النفع والمنفعة إن ما يجعل الحقيقة تمتلك قيمة هو كونها حقيقة فمصدر قيمتها داخلي ذاتي لا يتعلق بالنتائج التي تتمحض عنها .

درس جد منظم لمفهوم النظرية والتجربة مجزوءة المعرفة

في هذا الموضوع نقدم لكم درس جد منظم لمفهوم النظرية والتجربة الذي يندرج ضمن المجزوءة الثانية وهي مجزوءة المعرفة و الذي يحتوي على ثلاث محاور : المحور الأول التجربة والتجريب والمحوار الثاني العقلانية العلمية والمحور الثالث والأخير معايير علمية النظريات العلمية .


1 - المحور الأول : التجربة والتجريب

يتناول المحور الأول من مفهوم النظرية والتجربة الأسس والمرتكزات التي تتأسس عليها التجربة العلمية حيث سيتم التساؤل عن النهج الذي يتم اتباعه لإجراء التجربة العلمية وكذا دور الخيال في إنجاز هذه التجربة وقبل هذا وذاك سيتم التمييز بين مفهوم التجربة والتجريب .

الفرق بين التجربة والتجريب : ألكسندر كويري 

يميز الفيلسوف ألكسندر كويري بين مفهومي التجربة والتجريب فإذا كان مفهوم التجربة ينتمي إلى المجال العلمي ، ويتم بشكل تلقائي عفوي وينتج معرفة علمية فإن مفهوم التجريب ينتمي إلى المجال العلمي ويتم وفق منهج وينتج معرفة علمية غالبا ما تكون صحيحة .

التجريب إنصات الطبيعة : كلود برنار 

يحدد كلود برنار الخطوات المنهجية للمنهج التجريبي في الملاحظة الفرضية والتجربة ويؤكد على ضرورة إلتزام العالم التجريبي بمجموعة من الشروط والمبادئ النظرية والمنهجية لبلوغ الحقيقة العلمية المتمثلة في القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية كما يشترط برنار على العالم أن يكون ملاحظا ومجربا في نفس الوقت هكذا تتأسس التجربة العلمية على المنهج التجريبي الذي وصفه العالم الإنجليزي فرانسيس بيكون وتبناه الطبيب الفرنسي كلود برنار .



الخيال والتجريب : روني طوم 

ينتقد روني طوم المنهج التجريبي الكلاسيكي الذي وضعه فرانسيس بيكون وتبناه كلود برنار القائم على اعتبار التجربة العلمية تتيح التحليل السببي لظاهرة من الظواهر ، لأن الاعتماد على التجريب فقط لا يكفي لتفسير العلاقات السببية الكامنة وراء حدوث الظواهر ، لذلك يجب إكماله بالخيال والعالم إذا ما أراد أن يبقى سجين خطوات المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية بل عليه اعتماد عنصر الخيال باعتباره عملية ذهنية ضرورية وأساسية في التجربة .

إذن تصور روني لا يلغي تصور كلود برنار ، بل اعتبره ناقصا وسعى إلى سد الثغرة الكامنة في إظافة عنصر الخيال .

2 - المحور الثاني : العقلانية العلمية 

سيتم الحديث في هذا المحور عن مصدر ومنبع العقلانية العلمية كما سيتم التساؤل عن قدرة العقل الرياضي على إبراز هذه العقلانية العلمية ودور التجربة في تحديد مكونات العقلانية العلمية . فهل العقلانية العلمية تتحدد بإبداعات حرة للعقل الرياضي الخالص أم تتحدد كنتيجة للحوار القائم بين العقل والتجربة .

العقلانية المبدعة :  " إينشتاين " 

يؤكد العالم الفيزيائي إينشتاين أن البناء الرياضي الخالص كفيل باكتشاف المفاهيم والقوانين التي تسمح بفهم الظواهر الطبيعية لأن مبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة بل يوجد في العقل الرياضي أما وظيفة التجربة فتنحصر في توجيه العالم لإختيار المفاهيم والمبادئ المناسبة التي سيوظفها إذا كان مفهوم العقلانية يكفي جملة من المفاهيم والمبادئ والقوانين والتي يتشكل منها النسق النظري للعلم فإن هذه العقلانية بمثابة إبداعات حرة للعقل الرياضي .

حوار العقل والتجربة  : غاستون باشلار 

ينتقد العالم الإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار تصور إينشتاين بخصوص مصدر العقلانية العلمية حيث يؤكد على أن العقل الرياضي وحده لا يستطيع إبداع المفاهيم والمبادئ والقوانين التي تسمح لنا بتغيير الظواهر الطبيعية فالمبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في العقل وحده بل يوجد في ذلك الحوار الفلسفي القائم بين العقل والتجربة وهذا ما يجعله يلح على ضرورة دخول العالم العقلاني والعالم التجريبي في حوار جدلي بغية تأسيس العقلانية العلمية فهذه الأخيرة ترتكز على يقين مزدوج يقين علمي ، ويقين تجريبي . إن العقلانية العلمية حسب باشلار لا تكتمل داخل وعي معزول عن الواقع كما زعم إينشتاين بل تتحدد نتيجة لذلك الحوار الجدلي القائم بين العقل والتجربة .

3 - المحور الثالث : معايير علمية النظريات العلمية 

يتطرق المحور الثالث والأخير من مفهوم النظرية والتجربة كموضوع معيار صلاحية ومصداقية النظرية العلمية ، حيث سيتم الإجابة على الإشكال التالي : من أين تستمد النظريات العلمية صلاحيتها ومصداقيتها هل من معيار تعدد الإختبارات أم من معيار قابلية التكذيب ؟

معيار تعدد الإختبارات  : بيير تويلي 

تستمد النظريات العلمية صحتها ومصداقيتها حسب تويلي من الفروض الإضافية والإختبارات المتعددة التي يجب أن يخضع إليها لكونها السبيل الوحيد لإخراجها من عزلتها وربطها بنظريات أخرى تؤكد صحتها ومصداقيتها ومن ثم فبيير تويلي يرفض اعتبار التحقق التجريبي معيار القوة وصلاحية النظرية العلمية لأنه معيار اختزالي أن معيار تعدد الاختبارات الناتج عن الفروض الإضافية هو المبتغى الحقيقي لمصداقية وصلاحية النظريات العلمية وتجدر الإشارة إلى أن تويلي اعتمد في تشكيل تصوره هذا على العالم القيزيائي الكندي صارو بوبوج الذي أكد على أهمية تنوع الإختبارات التجريبية والمقارنة بينهما في فحص النظريات العلمية .

معايير القابلية للتكذيب : كارل بوبر 

يقترح كارل بوبر معيار مخصوصا لصحة النظريات التجريبية أو تكذيبها إنه معيار القابلية للتكذيب .
فالنظريات العلمية تتسم بالصلاحية وللمصداقية لا لكونها مطابقة للواقع ومتحققة على نحو تجريبي بل لكونها قابلة للتكذيب والدحض وكل نظرية غير قابلة للتكذيب لا ترقى إلى مستوى النظرية العلمية لذلك فبوبر يرفض التجربة كمبدأ لصلاحية للنظرية ويقول في المقابل بمدأ التزييف . يتضح إذن أن النظرية العلمية التجريبية الأصلية هي التي تستطيع أن تقدم احتمالات ممكنة تفندها وتبرز ضعفها وتخض فروض بصفة قابلة للتفنيد والتكذيب .

الجمعة، 8 مايو 2015

لأصحاب الباك درس مبسط لمفهوم الغير مجزوءة الوضع البشري

في هذا الموضوع نقدم لكم مفهوم الغير الذي يندرج ضمن مجزوءة الوضع البشري ويحتوي على ثلاث محاور : المحور الأول وجود الغير والمحور الثاني معرفة الغير والمحور الثالث والأخير العلاقة مع الغير .




المحور الأول : وجود الغير

يعالج المحور الاول من مفهوم الغير إشكالية وجود الغير بين ثنائية التهديد والضرورة ، حيث سيتم التساؤل عن وجود الغير بالنسبة للأنا هل هو أمر ضروري أو أساسي أم هو مصدر تهديد وخطر ؟

إن الغير حسب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عنصر مهدد بالنسبة للأنا لكون هذا الأخير قبضته مادام يجمعهما وجود يومي مشترك ، ويتجلى هذا التهديد في فعل الإفراغ والإفقاد والتذويب .
فالغير يفقد الأنا ما يميز هويته كاختلاف ، ويفرغه من كينونته الخاصة فيجعله بذلك لا يتطابق مع ذاته إذ يذوب في نمط وجود الغير ، فيبدأ بالإختفاء بسبب فقدانه تفرده وتميزه .
يتضح إذن أن وجود الأنا مع الغير داخل حياة يومية مشتركة يجعل من الأنا ذاتا شبيهة مثيلة للغير إذ يفقدها الغير كل تميزها وخصوصيتها ويفرغها من كينونتها ويذيبها في نمط وجوده .

وفي مقابل هذا التصور يؤكد الفيلسوف الفرنسي الوجودي جون بول سارتر ان الغير شرط وجودي لا غنى عنه لوجود الأنا ووعيها بذاتها فالوعي بالذات يحصل من خلال الوعي بالغير والإحساس بالإنفصال عنه ، ناهيك عن كون معرفة الأنا لنفسها رهين ومشروط بمعرفتها بغيرها ، فالغير هو الوسيط الذي من خلاله تعرف الأنا نفسها كما أن حرية الأنا مقترنة أشد الاقتران بوجود الغير إذ من خلال العلاقة معه تثبت الأنا حريتها إلا أن سارتر بين تهديد الغير للأنا من خلال النظرة حيث اعتبر وجود الغير مصدر تهديد بالنسبة للأنا إذ من خلال النظرة يشيئ الغير الأنا ويشل كل قدراته ويجمد كل امكانيته ومن ثم ينزله من مرتبة الشخص إلى مرتبة الشيئ أي من مرتبة الذات إلى مرتبة الموضوع وهذا ما يجعل من تصور سارتر موقفا مزدوجا ينظر إلى وجود الغير وكأنه عملة ذات وجهين وجه إيجابي يتجلى في ضرورته واهميته ووجه سلبي يتمظهر من خلال تهديده وخطورته .

المحور الثاني : معرفة الغير

يتطرق هذا المحور الثاني من مفهوم الغير لقضية معرفة الغير بين ثنائية الإمكان والإستحالة ، لذا سيتم التساؤل عن معرفة الغير من طرف الأنا هل هي أمر ممكن أم مستحيل ؟

يؤكد الفيلسوف الألماني ماكس شيلر أن الأنا بمقدوره تحصيل معرفة بصدد الغير ونعت هذه المعرفة بأنها معرفة كلية يتوحد فيها الظاهر بالباطن ، العرفي بالجوهر ، السطح بالعمق ، القشور باللب .... وهذا مايدل على رفض شيلر لتجزييء وتقسيم الذات الانسانية إلى ثنائيات وأهمية لا أساس لها من الصحة فعندما يدرك الأنا الغير يدركه كليته ووحدته ؛ فهم يدركه ادراكا يجمع بين المظاهر الجسمية والعالم الداخلي النفسي مما يدل على وحدة وكلية هذه المعرفة .

وفي نفس المنحنى يؤكد الفيلسوف الالماني ايدموند هوسرل الطرح الذي تبناه ما عكس شيلر فمعرفة الغير من طرف الأنا ممكنة وذلك من خلل البينذاتية باعتبارها أساسا وقاعدة لتحقيق هذه المعرفة . إن معرفة الغير من طرف الأنا لا تتم بوصفه ذاتا مستقلة من ذات الأنا بل تتم معرفته كذات نفسية لها جسم ونفس مثل جسم ونفس الأنا ، وتدرك هي الأخرى العالم الذي يدركه الأنا ، إنها في نفس الوقت شبيهة به ومختلفة عنه .
ويقترح هوسرل تجربة التوحد الحدسي بالغير وكسبيل ومسلك يتم اعتماده لتحقيق هذه المعرفة ، إذ بإمكان كل واحد أن يتوعد حدسيا بالغير أن يأخذ مكانه وأن يعيش تجربة فمعرفته الغير إذن لا تتم مباشرة بل من خلال تجربة غير مباشرة يسميها هوسرل التوافق الباطني وهي لحظة تحقق التوحد الحدسي مع الغير مما يفيد أن البينذاتية هي أساس معرفة الأنا للغير . وعلى خلاف هاذين التصورين يقر الفيلسوف الفرنسي غاستون بيرجي استحالة معرفة الغير من طرف الأنا لكون وجود الغير خارج عن تجربة الذت خروجا مطلقا ، وعليه فمعرفته تنفلت من الأنا تماما . إن عالم الغير عالم داخلي منغلق لا يمكن اقتحامه ، فالغير له حياته الخاصة والحميمية يأوي إليها ويحتمي بها مما يجعل هذه العزلة وتلك الحميمية عائقا وحاجزا يحول دون كل إمكانية للتواصل مع الغير أو الوعي به أو معرفته . إن استغراء ذات الغير في تجربتها الذاتية هو الذي يمثل الوجود الحقيقي ، فهذه التجربة لا يمكن نقلها أو الإخبار عنها أو مشاركتها مع الأنا وعليه يمكن القول أن معرفة الأنا للغير أمر مستحيل بسبب حاجز العزلة وعائق الحميمية .

المحور الثالت : العلاقة مع الغير 

يتناول هذا المحور الثالت والأخير من مفهوم الغير طبيعة العلاقة القائمة يبن الأنا والغير من خلال ثنائية الذاتية والكونية مما سيجعلنا نتساءل عن العلاقة القائمة بين الأنا والغير هل تتخذ بعدا ذاتيا أم بعدا كونيا ؟

إن الصداقة حسب الفيلسوف الألماني كانط ضرب من ضروب العلاقة الإيجابية القائمة بين الأنا والغير ، تتأسس على الحب والإحترام المتبادلين ، وهذا ما يجعلها واجبا أخلاقيا يجب على كل شخص السعي نحوه لأن في ذلك سعي نحو تحقيق السعادة ، وتتخذ الصداقة بين الأنا والغير بعدا ذاتيا لكونها علاقة مثالية للتعاطف بين صديقين جمعت بينهما إرادة طيبة تحقق لهما الغير معا ، كما يؤكد كانط أن الصداقة الحق لا يجب أن تقوم على مصالح ومنافع معينة بل يجب أن يكون اساسها وقوامها الإحترام والحب المجسدين للبعد الأخلاقي والوجداني .

هذا من جهة ومن جهة أخرى يقر الفيلسوف كونت أن الغيرية ( الإيثار ) نمط من أنماط العلاقة الإيجابية القائمة بين الأنا والغير فإذا كانت بعض الكائنات المنحطة التي تعيش من أجل ذاتها لكونها تكون سجينة لأنانية همجية فإن الإنسان بما هو شخص أخلاقي يعيش من أجل الغير لكونه يؤمن بأنه مدين للإنسانية بكل ما يملك إذ للإنسانية فضل كبير على كل فرد ولا يمكن للفرد أن يرد ولو جزء ا بسيطا مما تلقاه منها ولو كان على درجة عالية من المهارة والنشاط وتتخذ الغيرية بعدا كونيا لكونها تربط الأنا بالإنسانية جمعاء وتجعله يعيش من أجل الأغيار ويكرس حياته لخدمتهم وتقديم العون لها .

الثلاثاء، 5 مايو 2015

الشخص مجزوءة الوضع البشري

دروس الفلسفة الشخص مجزوءة الوضع البشري    

في هذا الموضوع سندرس مجزوءة السياسة مفهوم الدولة سنبدا اولا باعطاء :
تقديم مجزوءة الوضع البشري
ملخص مجزوءة الوضع البشري
مواقف الفلاسفة في مجزوءة الوضع البشري

تلخيص مواقف مجزوءة الوضع البشري

مفهوم الشخص الذي يندرج ضمن المجزوءة الأولى وهي مجزوءة الوضع البشري ويحتوي على ثلاث محاور : المحور الأول الشخص والهوية والمحور الثاني الشخص بوصفه قيمة المحور الثالث الشخص بين الضرورة والحرية .

يمكنك الاطلاع على مفهوم الغير مجزوءة الوضع البشري

الشخص مجزوءة الوضع البشري
الشخص مجزوءة الوضع البشري 

المحور الأول : الشخص والهوية 

مواقف الفلاسفة

يتناول هذا المحور الاول مفهوم الشخص مسألة الهوية الشخصية حيث يتساءل عن اسس ومكونات الهوية الشخصية هل هي الشعور والذاكرة ام هي الإرادة ؟ وفي هذا الإيطار يؤكد الفيلسوف النجليزي " جون لوك " أن الهوية الشخصية تتكون من الشعور الذي يمتلكه الإنسان بصدد أفعاله ا لخاصة فالشعور والفكر عنصران متلازمان لا يقبلان الإنفصال إذ هناك تلازم دائم بين المعرفة التي نحصلها وبين الإحساس والإدراك الراهن ، بالإظافة إلى مكون الشعور يقول لوك أن الهوية الشخصية تتسع وتمتد بالقدر الذي يمتد الشعور ليصل إلى الأفعال والأفكار وهذا ما يسمى بالذاكرة إنها امتداد الشعور في الزمان والمكان الماضيين .

وعلى خلاف هذا التصور يقر الفيلسوف الألماني " أرثر شوبنهاور " أن الهوية الشخصية لا تتأسس على مادة الجسم أو صورته لأنهما عرضان قابلان للتجدد والتحول والتغير بينما الهوية الشخصية تبقى ثابتة قارة مطابقة لذاتها . كما أن الهوية الشخصية لا تتوقف على الشعور والذاكرة لأنهما لا يكفيان لتفسيرها ... وإنما تتوقف على الإرادة المتسمة بالثبات والتطابق فالإرادة هي نواة وجود الإنسان والركيزة الرئيسية التي تنبني عليها الهوية الشخصية فخلف كل ذات عارفة هناك ذات مريدة .

المحور الثاني : الشخص بوصفه قيمة 

مواقف الفلاسفة

يعالج هذا المحور الثاني إشكالية مصدر ومنبع قيمة الشخص حيث يتساءل من أين يستمد الشخص قيمته هل من ذاته أم من اشكال التضامن والمشاركة والتعاون مع الأغيار ؟
يؤكد الفيلسوف الألماني " إيمانويل كانط " أن الشخص يستمد قوته من ذاته بكونه وسيلة يتم استخدامها لتحقيق غايات معينة .
إن الشخص بمثابة عقل أخلاقي عملي يمتلك كرامة ويستوجب الإحترام وهذا ما يجعله مميزا عن أشياء الطبيعة باعتبارها موضوعات غير عاقلة ووسائل يتم استخدامها لبلوغ غايات وأغراض معينة .

وعلى خلاف هذا التصور يقر الفيلسوف الفرنسي " جورج غوسدورف " أن قيمة الشخص لا تستمد من ذاته بل تتولد عن اشكال التضامن والتعاون الحاصل بينه وبين غيره ، فاستقلالية الشخص لا تعني العيش في وحدة وعزلة وإنما يعني الإنخراط داخل الجماعة والمشاركة في كل أشكال التضامن والتعاون القائمة فيها مع الإحتفاظ بخصوصيات ومميزات الذات ومن ثم تكون للشخص قيمة بقدر مايقدمه من تعاطف وتعاون ومشاركة مع الأخيار .

المحور الثالث : الشخص بين الضرورة والحرية 

مواقف الفلاسفة

يتطرق المحور الثالث لمفهوم الشخص لمسألة موقع الشخص بين الضرورة والحرية حيث يستفهم عن الشخص هل هو كائن حر أم كائن مقيد بضرورات ؟
يؤكد الفيلسوف  " جون بول سارتر " أن الشخص يتموقع داخل مجال الحرية لكونه يمتلك دون غيره من الكائنات القدرة عل تخطي وتجاوز الوضعية الراهنة والتعالي عليها بواسطة الشغل والفعل والحركة نحو وضعية مستقبلية يختارها بمحض وعيه وحريته وإرادته مما يجعله مسؤولا تمام المسؤولية عن مصيره ومستقبله وهذا ما يجعل منه مشروعا ، كما أن وجود الشخص يسبق ماهيته بالشخص يوجد أولا ثم بعد ذلك يحدد ماهيته بنفسه وحسب إرادته واختياره ، وهذا ما يجعله بمثابة نتيجة لأفعاله فالشخص هو ما يصنع بنفسه وهذا مايدل على امتلاكه لحرية مطلقة غير محدودة . 

وعلى خلاف هذا التصور يقرر الفيلسوف الفرنسي " إيمانويل مونيي " أن الشخص يتموقع داخل مجال الحرية لكن هذه الحرية مشروطة بجملة من الإكراهات والإلتزامات والإشراطات فحرية الشخص ليست توكيدا مطلقا وليست خاصية بدون حدود بل هي محاطة بمجموعة من الموانع والعوائق والحواجز التي يجب اتخاذها كسند يتم الإعتماد عليه لتجاوز الوضع الراهن نحو وضع مستقبلي . إن الوضع الواقعي الذي يعيش في ظله الشخص هو ما يحد ويقيد حرية هذا الشخص مما يعني استحالة الحديث عن حرية مطلقة ، ناهيك عن كون حرية الشخص مرتبطة أشد الإرتباط بحرية الأخرين فهو لا يصبح حرا إلا بحرية الأشخاص المحيطين به .
وفي نفس السياق يؤكد المفكر المغربي محمد الحبابي أن الشخص يمتلك حرية مقيدة مشروطة وذلك راجع الى الإكراهات والإلزامات التي تحيط به على جميع المستويات ويضيف الحبابي أن تحقيق الحرية يستلزم انتقال الإنسان من مرتبة الكائن الى مرتبة الشخص ويتم ذلك من خلال عملية التشخصن والتي تشترط التحكم في الغرائز والميولات البيولوجية من جهة وربط حرية الذات بحرية الغير أي الإنفتاح على الأغيار والخروج من حالة العزلة والإنطواء على الذات .